مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وفضل العترة عليهم السلام
روي عن أبي محمد الحسن العسكري عليهما السلام أنّه قال : كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام جالساً في مجلسه ، فقال يوماً في مجلسه : إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا أمر بالمسير إلى تبوك ، أمر بأن يخلف عليّاً بالمدينة ، فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ! ما كنت أحب أن أتخلّف عنك في شيء من أُمورك ، وأن أغيب عن مشاهدتك والنظر إلى هديك وسمتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ! أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي (1) ، تقيم [يا عليّ وإنَّ لك في مقامك من الاَجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله ، ولك مثل أجور كلّ من خرج مع رسول الله موقناً طائعاً ، وإنَّ لك على الله يا علي لمحبتك أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله ، بأن يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي نسير عليها ، والاَرض التي تكون أنت عليها ، ويقوي بصرك حتى تشاهد محمداً وأصحابه في سائر أحوالك وأحوالهم ، فلا يفوتك الاَنس من رؤيته ورؤية أصحابه ، ويغنيك ذلك عن المكاتبة والمراسلة. فقام رجل من مجلس زين العابدين عليه السلام لما ذكر هذا ، وقال له : يا بن رسول الله ! كيف يكون هذا لعليّ ؟ إنّما يكون هذا للاَنبياء لا لغيرهم. فقال زين العابدين عليه السلام : هذا هو معجزة لمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله لا لغيره ، لاَنّ الله تعالى إنّما رفعه بدعاء محمد ، وزاد في نور بصره أيضاً بدعاء محمد ، حتى شاهد ما شاهد وأدرك ما أدرك. ثمّ قال له الباقر عليه السلام : يا عبدالله ! ما أكثر ظلم كثير من هذه الاَُمّة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأقل إنصافهم له ؟! يمنعون عليّاً ما يعطونه ساير الصحابة ، وعليّ أفضلهم ، فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره ؟ ! قيل : وكيف ذاك يا بن رسول الله ؟ قال : لاَنّكم تتولّون محبّي أبي بكر بن أبي قحافة ، وتبرؤون من أعدائه كائناً من كان ، وكذلك تتولون عمر بن الخطّاب ، وتتبرؤون من أعادئه كائناً من كان ، وتتولون عثمان بن عفّان ، وتتبرؤون من أعادئه كائناً من كان ، حتى إذا صار إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قالوا : نتولّى محبّيه ، ولا نتبرّأ من أعدائه بل نحبّهم!! فكيف يجوز هذا لهم ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي عليه السلام : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (2) أفترونه لا يعادي من عاداه ؟ ! ولا يخذل من يخذله ؟ ! ليس هذا بإنصاف (3)!! ثمّ أُخرى : أنّهم إذا ذكر لهم ما اختص الله به عليّاً عليه السلام بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكرامته على ربّه تعالى جحدوه ، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة ، فما الذي منع عليّاً عليه السلام ما جعله لسائر أصحاب رسول الله ؟ هذا عمر بن الخطاب ، أذا قيل لهم : إنّه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته : يا سارية (4) الجبل ! عجبت الصحابة وقالوا : ما هذا الكلام الذي في هذه الخطبة ؟ فلمّا قضى الخطبة والصلاة قالوا : ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل ؟ فقال : اعلموا أنّي وأنا أخطب إذ رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند ، وعليهم سعد بن أبي وقّاص ، ففتح الله لي الاَستار والحجب ، وقوي بصري حتى رأيتهم وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك ، وقد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية ، وسائر من معه من المسلمين ، فيحيطوا بهم فيقتلوهم ، فقلت : يا سارية الجبل ، ليلتجىء إليه ، فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا به ، ثمّ يقاتلوا ، ومنح الله إخوانكم المؤمنين أكناف الكافرين ، وفتح الله عليهم بلادهم ، فاحفظوا هذا الوقت ، فسيرد عليكم الخبر بذلك ، وكان بين المدينة ونهاوند مسيرة أكثر من خمسين يوماً. قال الباقر عليه السلام : فإذا كان مثل هذا لعمر ، فكيف لا يكون مثل هذا لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ ! ولكنّهم قوم لا ينصفون بل يكابرون (5)